البروفيسور عبد القادر دندن (Prof Abdelkader Dendenne)

أستاذ العلاقات الدولية وباحث في الشؤون الآسيوية
جامعة باجي مختار – عنابة- الجزائر
شهدت العاصمة الصينية بكين حدثا هاما آخر في مسار العلاقات بين الصين وإفريقيا، متمثلا في انعقاد القمة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي في الفترة ما بين 4 و6 سبتمبر 2024، تحت شعار ”العمل معاً لتعزيز التحديث وبناء مجتمع المستقبل المشترك الصيني الأفريقي رفيع المستوى"، وهي القمة التي دأب الطرفان على تنظيمها بشكل منتظم كل ثلاث سنوات منذ تأسيس المنتدى لأول مرة العام 2000، وتأتي هذه القمة التاسعة في ظل ظروف ومعطيات هامة وحاسمة، سواء على الصعيد الدولي الذي يعرف اضطرابات جيوسياسية متصاعدة بفعل استمرار الحرب الروسية الأكرانية واندلاع حرب غزة، واضطراب سلسلة التوريد والإمدادات بفعل التهديدات الأمنية في البحر الأحمر وغيرها. وتطورات متعلقة بالصين مع إعادة انتخاب الرئيس شي جين بينغ لعهدة رئاسية بعد المؤتمر التاريخي للحزب الشيوعي الصيني، وهو الرئيس الذي شهدت في عهده العلاقات الصينية – الإفريقية أزهى أوقاتها، وتعافي الاقتصاد الصيني من آثار جائحة كورونا وتنامي مكانة الصين دوليا ونشاطها على مختلف الأصعدة لإحداث تغيير في النظام الدولي سياسيا واقتصاديا وأخلاقيا. فيما تشهد القارة الافريقية أوضاعا متقلبة ما بين مؤشرات إيجابية بتعافيها كذلك من آثار جائحة كورونا، وتعزيز حضورها على الساحة الدولية بأصواتها الحاسمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في التصويت على قرارات تخص الحرب الروسية الأوكرانية وحرب غزة، وتطوير عمل الاتحاد الإفريقي، وتنامي حضور إفريقيا في مجموعة دولية مؤثرة مثل مجموعة البريكس بانضمام مصر واثيوبيا لعضوية المجموعة مؤخرا وبدعم من الصين، في حين تستمر تطورات أخرى سلبية ومؤثرة على الاستقرار في القارة، مع عودة ظاهرة الانقلابات التي شهدتها دول من منطقة الساحل الافريقي وغرب إفريقيا، واستمرار الحرب في السودان وليبيا، وتفاقم النشاط الإرهابي ونشاط الجماعات الاجرامية خاصة في الساحل الافريقي.
ما ميز افتتاح القمة، هو الخطاب الشامل والمرجعي الذي ألقاه الرئيس الصيني شي جين بينغ، وكان أجمل ما استهل به خطابه هو استشهاده بمثل صيني معبر "إن الزهور في الربيع تتحول إلى الثمار في الخريف، والحصاد الوافر هو بمثابة مكافأة للعمل الجاد"، وكان هذا المثل انعكاسا للمرحلة التاريخية التي تمر بها العلاقات الصينية – الإفريقية، والتي وصفها الرئيس الصيني بأنها الفترة الأكثر قوة وازدهارا، وبأنه الوقت المناسب لجني ثمار التعاون الذي استمر لقرابة سبعين عاما وتعزز بشكل أكبر خلال العقد الماضي، ليحين وقت الارتقاء بها إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية، وإلى مستوى المجتمع الصيني – الإفريقي للمستقبل المشترك في كل الظروف في العصر الجديد، وأكد شي في خطابه على سير الصين وإفريقيا جنبا لجنب في مسار التحديث والشراكة، حيث بين أن تحقيق التحديث هو حق غير قابل للتصرف لكافة دول العالم، ولا يمكن أن يكون هنالك تحديث عالمي بدون تحديث الصين وإفريقيا، والصين تطرح اليوم نمط تحديث خاص بها يختلف في مضامينه ومبادئه عن ذلك الغربي الذي فشل في تحقيق التنمية والرقي المنشود لشعوب العالم وخاصة في القارة الإفريقية، ونمط التحديث الصيني الذي يتسم بالعدل والإنصاف هو محاولة لرفع الظلم عن أمة عريقة مثل الصين، وقارة واعدة وثرية مثل إفريقيا، بما يتوافق مع مضامين وأهداف أجند 2063 للاتحاد الإفريقي. مع تعميق الشراكات بين الطرفين في مختلف المجالات، مثل عمل الشراكة للاستفادة بين مختلف الحضارات، وعمل الشراكة للازدهار التجاري، وعمل الشراكة في سلاسل التصنيع، والترابط والتواصل، والتعاون الإنمائي، والصحة، والزراعة وغيرها.
وتتويجا لأشغال القمة، خلص المجتمعون إلى بيان ختامي وضع أسس ومواثيق التعاون الصيني الإفريقي، والمبنية على مجموعة من المرجعيات وهي مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، والتعاون الجيد في إطار مبادرة الحزام والطريق، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية، وأجندة 2063 للاتحاد الإفريقي وغيرها. وأكد الجانبان مرة أخرى في البيان الختامي، على التوافق بشأن المسائل الحساسة والمصيرية بالنسبة لهما، فإفريقيا أكدت التزامها بمبدأ الصين الواحدة وكون تايوان جزءا لا يتجزأ من الصين، فيما تعتبر قضايا هونغ كونغ وشينجيانغ وشيزانغ من الشؤون الداخلية الصينية التي لا يحق لأي طرف التدخل فيهان بالمقابل تدعم الصين حق الجانب الإفريقي في الحفاظ على الاستقلال والوحدة الوطنية وسلامة الأراضي وسيادتها وأمنها ومصالحها التنموية، وروح الاحترام المتبادل والتعاون في علاقات الجانبين وفقا لمبادئ التعايش السلمي الصينية التي تمر عليها اليوم سبعون سنة على إعلانها، بما تحمله من تأكيد على مبدأ عدم التدخل وحل الخلافات سلميا، وعدم ربط علاقات الجانبين ومشاريع التعاون معهما بأية شروط مسبقة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو من أي نوع آخر.
وفي مجال مقف الجانبين من الوضع الحالي للنظام الدولي، فقد جددا سعيهما لبناء عالم متعدد الأقطاب يتسم بالمساواة والنظام، وقائم على المؤسسات الدولية الشرعية والمنفتحة على مختلف القيم والأفكار وقواعد القانون الدولي، ومعارضة أشكال الاستعمار الجديد والاستغلال الاقتصادي الدولي، ورفض أي تسييس لقضايا نبيلة مثل حقوق الإنسان، مع الدعم الكامل من الجانب الصيني لتعميق أدوار إفريقيا في الحوكمة العالمية، والانضمام لهيئات ومؤسسات عالمية مؤثرة، على رأسها حصولها على عضوية دائمة في مجلس الأمن، وفتح عضوية مجموعة البريكس لصالح دول إفريقية جديدة. وإصلاح المؤسسات المالية الدولية لتكون أكثر استجابة لتطلعات الشعوب النامية وعلى رأسها الشعوب الإفريقية، وتحقيق عولمة اقتصادية شاملة ومربحة للجميع.
وشمل البيان كذلك، كل ما يتعلق بتعزيز التعاون النوعي في إطار مبادرة الحزام والطريق وبناء منصة تحديث ذات تشاور واسع النطاق ومساهمة مشتركة ومنافع مشتركة، وجعل ذلك المشروع بوابة لتنفيذ التزامات وطموحات أجند 2063 للاتحاد الإفريقي، ورؤية التعاون الصيني الإفريقي 2035، ودعم الاندماج التجاري لدول القارة خاصة في إطار مشروع منطقة التبادل التجاري الحرة في إفريقيا، وتفهم الصين لانشغالات القارة العميقة إزاء مشكلة التمويل المالي للمشاريع، ودعم الصادرات الإفريقية نحو الخارج، وحل مشاكل التصنيع والتطوير الزراعي ومواجهة تغيرات المناخ والأمنين المائي والغذائي وغيرها، كل ذلك في إطار مبادرات مرجعية قدمتها الصين وتبنتها دول القارة الإفريقية، مثل مبادرة الحضارة العالمية، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي.
بالإضافة إلى كل ما سبق، تبنت القمة مخطط عمل بكين 2024 – 2027، والذي يضع محاور العمل والتعاون الواجب متابعتها وتنفذيها خلال الفترة الفاصلة بين قمة بيجين 2024 والقمة المقبلة لعام 2027، وهي تعتبر بمثابة خريطة طريق يمكن على هديها للصين وإفريقيا توضيح الأولويات ووضع الانشغالات الأساسية، وتتبع عملية سير تنفيذ ما خرجت به قمة 2024 والتحضير لأجندة قمة 2027. بالاعتماد على عمل اللجان المشتركة، ومجموعات المتابعة، واجتماعات الأكاديميين، والتعاون بين رواد الأعمال الأفارقة والصينيين، وكل ذلك تحت إشراف القيادات العليا لدى الجانبين، وكذلك مفوضية الاتحاد الإفريقي التي تعد شريكا رئيسيا في أعمال منتديات التعاون الصيني – الإفريقي.
إن انعقاد القمة التاسعة للتعاون الإفريقي ببكين، هي مواصلة لنجاحات هذا المنتدى الذي انتظم في انعقاده طيلة 24 سنة، فيما تعطلت على سبيل المثال أشغال قمة الولايات المتحدة الأمريكية – إفريقيا طيلة 4 سنوات، كما تحول منتدى التعاون الصيني الإفريقي إلى قدوة بالنشبة لقوى أخرى مثل روسيا والولايات المتحدة اللتان قامتا بالنسج على نفس منوال الصين في عقد قمم مع قادة إفريقيا بعد ان تبينت النجاح الكبير للصين في هذا المجال، ليتحول منتدى (فوكاك) إلى منتدى تعاون متعدد الأطراف ناجح إلى حد بعيد في ترسيخ علاقات الجانبين الصيني والإفريقي، وإلى منبر للتلاقي والتنسيق والتشاور ومعالجة المسائل الطارئة والملحة التي تحظى باهتمامهما، حيث أن مأسسة العلاقات بين الصين وإفريقيا تعكس مدى أهمية وعمق العلاقات بين الطرفين ووحدة مصيرهما، التي تتفق مع وحدة خلفياتهما المتألمة من ماض استعماري مقيت، والمتطلعة إلى مستقبل مشرق ومتسم بالازدهار والانفتاح والتعاون المتبادل البناء.
(ملاحظة المحرر: يعكس هذا المقال وجهة نظر الكاتب، ولا يعكس بالضرورة رأي قناة CGTN العربية.)